الأربعاء، 12 يناير 2011

يا ايها المنادون بحقوق المرأه

قبل أكثر من عام كنت ملتحقاً بدورة تدريبية في التقديم التلفزيوني الإخباري والحواري في إحدى الدول المجاورة ، وكانت الدورة تنتهي بتقديم نشرة إخبارية من خمس دقائق ومقابلة تلفزيونية من عشر دقائق ، وكنا نتبادل الأدوار انا ومجموعة من الزملاء بين مذيع وضيف وفاجأتني زميلة لبنانية طلبت مني أن أكون ضيفها وأمثل دور وكيل وزارة الشئون الاجتماعية في بلدي ليكون نقاشنا حول الحقوق المهضومة للمرأة السعودية وكذلك الانتهاكات الكثيرة لإنسانية المرأة في المملكة من رجال الحسبة أو من أولياء أمور النساء أو من القضاة ، حقيقة استثارني الموضوع كثيراً لأن لي فلسفة خاصة في هذا الموضوع أعتقد أنها هي الحق وما خالفها فهو محض باطل رضي بذلك الناس أم سخطوا ، وحتى لو قال عني محمود عباس أنني سيُّد الظلاميين ، كانت تلك الزميلة تتكلم وهي مكتنزة قناعة بأن المرأة السعودية تعيش تحت رحمة وحوش كاسرة ، ورجال ظالمون محور رجولتهم استعبادها وقهرها وظلمها والعبث بحقوقها وانوثتها .

بدأت المذيعة محاورتها لي بقولها: لماذا تعاني المرأة في بلادكم من القهر والظلم والاستعباد؟ فسألتها هل من الممكن أن تضربي لي مثلاً لهذه المعاناة التي تعانيها المرأة السعودية فقالت على الفور : قيادة السيارة !!! المرأة في بلادكم محرومة من قيادة السيارة!!! ، جاني إحساس إنها ماهي صاحية (مالكم في الطويلة غسلت شراعها بالأدلة والبراهين هي والمخرج الذي كان متحمساً لها ويغذيها بالأسئلة والمعلومات عبر سماعات الأذن ).

مستغرب آخر(مشهورجداً) يحمل جنسية فرنسية كان زميلاً لي في إحدى المؤتمرات الإعلامية خارج المملكة وهو في مقام أساتذتي سناً وشكلاً ، فبعد أن وفقني الله وخطفتُ منه الأضواء وانكفأ علي الناس يسلمون ويتعرفون بعد نهاية الفقرة التي كان شريكاً لي فيها ، نظر إلي هذا المستغرب نظرة لست أجهلها وقال بغضب : أنتم يا دكتور حسن عندكم مشكلة خطيرة في السعودية ، سألت مباشرة ماهي؟ قال حقوق المرأة!!! لا ينبغي أن تكون دولة بحجم المملكة العربية السعودية يؤخذ عليها أن المرأة فيها لا تستطيع قيادة السيارة !!! فقلت في نفسي : ( كم أنت كاذب) وفاضي واجوف ويجب عرضك على طبيب نفسي .

أنا شخصياً لا أرى أي مانع شرعي لقيادة المرأة للسيارة ، ولكني سأضرب مثلاً ، لوان هناك طفلاً يحطمه المرض والجوع والجهل ، هل من العدل وهل من المنطق أن نعتبره مهضوم الحقوق مضطهد الطفولة لأنه لا يملك جهاز بلاي ستيشن ونتناسى قضية الغذاء والدواء والتعليم ، إن أهمية قيادة المرأة للسيارة بالمقارنة مع كثير من حقوقها الأساسية المفقودة كأهمية لعبة البلاي ستيشن لطفل محروم من الغذاء والدواء والتعليم ، إن قضية قيادة المرأة للسيارة كلمة حق أريد بها باطل وفيها من استهبال العلمانيين وجهالة المطبِّلين ما أقض مضاجع العقلاء والناصحين ، وسألتزم بتوضيح ذلك.

أين الذين بحت حناجرهم لأجل حقوق المرأة عن أشلاء المعلمات على الخطوط السريعة ، أين هم عن فقر الأرامل والمطلقات ومعاناتهن مع الضمان الاجتماعي ، اين هم عن امرأة تكاد تموت من آلام المخاض ولا تجد مستشفىً يستقبلها ، أين هم عن معاناة النساء داخل أكشاك الولادة ، أين هم عن أمٍ حُرمت طفلها لأنه مرهون بمبلغ من المال عند إحدى المستشفيات الخاصة ، أين هم عن امرأة قد تورم وجهها من ضرس لم تجد له حلاً عند العيادات البنشرية سوى المضادات الحيوية ، اين هم عن امرأة لا يتحقق حلمها بالأمومة إلا عبر تقنية الأنابيب فلا تجد من يلتفت إليها ، أين هم عن الظلم والاستبداد الذي تعانيه المرأة في حقوقها الوظيفية والمالية وكأنها مخلوق غير بشري ، وعن حقوق المرأة الأساسية المفقودة فحدث ولا حرج!!! إلا أننا لم ولن نسمع لهم صوتاً سوى عند قيادة المرأة للسيارة أو عند العمل في الأماكن المختلطة أو عند أي شيء يُخرج المرأة من حصنها الحصين ومَقامها المكين ، ليتمكنوا من الحصول عليها واستعبادها تحت شعارات كاذبة ومناظر براقة ، وانا سأكون صريحاً معهم أكثر ممن سبقني وأقول لهم : إن ما تريدونه هو خروج المرأة إلى الشارع ليسهل لكم اقتناصها والتلذذ بالنظر إليها ، ومصاحبتها في (البريك) إلى الغداء ، كما تحلو لكم الوَنَسة (أي السوالف باللهجة السودانية) معها داخل المكاتب المغلقة وفي الممرات الضيقة ، إنكم لا تريدون للأجواء أن تخلو من العطورات النسائية ولا آذانكم من الأصوات الناعمة لذلك سلكتم مسلك النصابين وذكرتموني بالشيطان حين قال لأبينا آدم (ما نهاكما ربكما عن هذا الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إني لكم من الناصحين) أي أنكم تمثلون دور الناصحين وانتم على النقيض من ذلك تماماً وسأقدم لكم نصيحة علها تنفعكم : إنكم قد سلكتم مسلكاً يبعدكم عن مآربكم ولن تتحقق به أهدافكم لأن هناك أناس لا تأخذهم في الله لومة لائم ولن يتركوا لكم الحبل على الغارب ولن تستطيعوا ان تحققوا ما تريدون ما دام هذا الدين يتجدد في قلوب العباد ، ومادام رضى الله غاية ينشدها الكثيرون من هذه الأمة ، لذلك فإن المسلك الصحيح لكم هو البحث عن المرأة في مواقع الانترنت المشبوهة والمواخير الفضائية المعروفة ، وفي الأسواق العامة والخاصة ، والاحتكاك بالنساء سراً كزميلات وسكرتيرات في مكاتب مغلقة بعيدا عن اعين الناس وفي غفلة عن المحتسبين ، وثقوا تماماً انكم ستكتفون مما تريدون فلكل ساقطة لاقطة ، أمَّا حصولكم على مآربكم عبر إفساد الأمة ، وتظليل الناس بالطرق الملتوية ، والكذب المركب ، واستغلال حاجة النساء وضعفهن ، فإن إثمه مضاعف وخطره جسيم ولستم وحدكم في الميدان .

ليست هناك تعليقات: