بعض القرارات غير الحكومية والتي تصدر عن بعض المؤسسات أو الهيئات أو الشركات تثير الدهشة وتربك التفكير وتؤجج الغيظ حين لا تكون مبررة أو مفهومة.. من هذه القرارات ما أعلنته الخطوط السعودية من غرامات على الراكب إن غير رأيه وقرر تأجيل السفر، وربما لظرف قاهر، وحددت الشركة له غرامة 25 في المائة من قيمة التذكرة، حتى وإن كان قد اتبع التصرف الواجب فبادر بالاتصال قبل السفر بوقت كاف لالغاء الحجز أو تعديله، فإن أراد النجاة من غرامة هذا التسلط عليه أن يسافر حتى وإن انتفت الحاجة للسفر..! ومن هذه العقوبات أيضا غرامة قدرها خمسون ريالا لكل من يتأخر عن موعد الحضور للمطار، والحمد لله أنهم لم يطالبوه باحضار ولي أمره معه..!
مصدر الدهشة والغرابة هنا أنه في الوقت الذي تتنافس شركات الطيران في تجويد خدماتها للراكب، وتنفق الملايين في الترويج عبر الاعلانات في كل وسائل الاعلام لما تقدمه للراكب من هدايا وخدمات مميزة، حتى وان اكتشفنا أن الهدايا التي تقدمها الشركات وتنفق الملايين على الدعاية لها لا تعدو أن تكون " بالونة " بهللتين تقدمها للأطفال، لكن ادارات العلاقات العامة بتلك الشركات تستغل أبسط الأشياء لتضخيمها والدعاية لها بالشكل الذي يغرر بالراكب ويغريه بالاقبال عليها دون غيرها، أقول في الوقت الذي تتفنن تلك الشركات في " تعليق الجزرة " للراكب تأتي الخطوط السعودية لتضع بنودا لعقاب الراكب فيما يكاد يشبه " الطرد " من الصف أو الحرمان من الامتحان، وكأننا بها أمام شخص جهم عبوس يمسك عصا غليظة يسوي بها الصفوف..
أقول ان الأمر في ظاهره يبدو هكذا، لأن كل الفرضيات التي حتمت هذه الغرامات بحيث رآها المسؤولون ضرورية، كلها تغيب عنا فلا يصيب الحكم المتسرع بأنها شكل من أشكال العقاب للراكب الضيف، فربما كانت الشركة تعاني من ضغوط شديدة في أعداد الركاب مثلا لا تمكنها من الوفاء بالتزاماتها ومن ثم هي عملية " تطفيش " لبعض الركاب، وربما كانت الشركة تعاني من خسائر فادحة بسبب تأخر الركاب وإقلاع الرحلة بعدد أقل قد يفي بالكاد أو لا يفي بتكاليف الرحلة، وربما كان تغيير مواعيد الحجز والسفر يربك الموظفين ويخل بتوازن الرحلات، وربما هناك عشرات الأسباب التي نجهلها مما يعطي للخطوط مبررها الكافي لحماية مصالحها، وهنا لا يحق لنا أن نحتج أو نشجب قرارات العقاب التي لم تعد مناسبة لزماننا الحضاري وأهلنا المتحضرين الى أن نعرف المبررات.. ألست منصفاً للخطوط بهذه الدعوة للتريث في الحكم ؟
رغم كل هذا، وبغض النظر عما اذا كانت القرارات مبررة أو غير مبررة فان الأمر الذي أدينه بكل القسوة والشدة وما شئت من أوصاف، وبلا تهاون أو تفريط أو مساومة يمكن أن أوجزه في أسئلة صغيرة: أولها عدالة التعامل وندية الأطراف، فالخطوط وركابها طرفان متعادلان في تبادل المصلحة، فمن أعطى طرفاً واحداً هو الخطوط حقا مطلقا في فرض العقاب على الطرف الآخر الذي هو ند له؟ وآخرها كيف نعطي الطرف الآخر – المغلوب على أمره – حقه في محاسبة الخطوط وعقابها على إلغاء حجز مؤكد أو – بالمثل – عن تأخر رحلة أو الغائها، وبجزاء مناسب لفداحة الخسارة التي يتحملها بعض الركاب بسبب ارتباك مواعيد الاقلاع والوصول تصل أحيانا تلك الخسارة الى الملايين لضياع صفقة أو حضور فعالية أو اجتماع مهم؟ وبغض النظر عن خسائر هذا الطرف أو ذاك أليس من العدل أن يخضع الطرفان لعقوبة مثلية لمن يخل بعقد اتفاق يتمثل في تذكرة السفر المشمولة بكل الحقوق الدولية من المنظمات والهيئات العالمية ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق